سورة محمد - تفسير تفسير الرازي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (محمد)


        


{وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آَنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ (16)}
لما بيّن الله تعالى حال الكافر ذكر حال المنافق بأنه من الكفار، وقوله: {وَمِنْهُمُ} يحتمل أن يكون الضمير عائداً إلى الناس، كما قال تعالى في سورة البقرة {وَمِنَ الناس مَن يَقُولُ ءامَنَّا بالله} [البقرة: 8] بعد ذكر الكفار، ويحتمل أن يكون راجعاً إلى أهل مكة، لأن ذكرهم سبق في قوله تعالى: {هِىَ أَشَدُّ قُوَّةً مّن قَرْيَتِكَ التى أَخْرَجَتْكَ أهلكناهم} [محمد: 13] ويحتمل أن يكون راجعاً إلى معنى قوله: {كَمَنْ هُوَ خالد فِي النار وَسُقُواْ مَاء حَمِيماً} [محمد: 15] يعني ومن الخالدين في النار قوم يستمعون إليك، وقوله: {حتى إِذَا خَرَجُواْ مِنْ عِندِكَ} على ما ذكرنا حمل على المعنى الذي هو الجمع، ويستمع حمل على اللفظ، وقد سبق التحقيق فيه، وقوله: {حتى} للعطف في قول المفسرين، وعلى هذا فالعطف بحتى لا يحسن إلا إذا كان المعطوف جزءاً من المعطوف عليه إما أعلاه أو دونه، كقول القائل: أكرمني الناس حتى الملك، وجاء الحاج حتى المشاة، وفي الجملة ينبغي أن يكون المعطوف عليه من حيث المعنى، ولا يشترط في العطف بالواو ذلك، فيجوز أن تقول في الواو: جاء الحاج وما علمت، ولا يجوز مثل ذلك في حتى، إذا علمت هذا فوجه التعلق هاهنا هو أن قوله: {حتى إِذَا خَرَجُواْ مِنْ عِندِكَ} يفيد معنى زائداً في الاستماع كأنه يقول: يستمعون استماعاً بالغاً جيداً، لأنهم يستمعون وإذا خرجوا يستعيدون من العلماء كما يفعله المجتهد في التعلم الطالب للتفهم، فإن قلت فعلى هذا يكون هذا صفة مدح لهم، وهو ذكرهم في معرض الذم، نقول يتميز بما بعده، وهو أحد أمرين: إما كونهم بذلك مستهزئين، كالذكي يقول للبليد: أعد كلامك حتى أفهمه، ويرى في نفسه أنه مستمع إليه غاية الاستماع، وكل أحد يعلم أنه مستهزئ غير مستفيد ولا مستعيد، وإما كونهم لا يفهمون مع أنهم يستمعون ويستعيدون، ويناسب هذا الثاني قوله تعالى: {كَذَلِكَ يَطْبَعُ الله على قُلُوبِ الكافرين} [الأعراف: 101]، والأول: يؤكده قوله تعالى: {وَإِذَا خَلَوْاْ إلى شياطينهم قَالُواْ إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِءونَ} [البقرة: 14].
والثاني: يؤكده قوله تعالى: {قَالَتِ الأعراب ءَامَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ ولكن قُولُواْ أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإيمان فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات: 14] وقوله: {ءانِفاً} قال بعض المفسرين: معناه الساعة، ومنه الاستئناف وهو الابتداء، فعلى هذا فالأولى أن يقال يقولون ماذا قال آنفاً بمعنى أنهم يستعيدون كلامه من الابتداء، كما يقول المستعيد للمعيد: أعد كلامك من الابتداء حتى لا يفوتني شيء منه.
ثم قال تعالى: {أُوْلَئِكَ الذين طَبَعَ الله على قُلُوبِهِمْ واتبعوا أَهْوَاءهُمْ}.
أي تركوا اتباع الحق إما بسبب عدم الفهم، أو بسبب عدم الاستماع للاستفادة واتبعوا ضده.


{وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآَتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ (17)}
لما بيّن الله تعالى أن المنافق يستمع ولا ينتفع، ويستعيد ولا يستفيد، بين أن حال المؤمن المهتدي بخلافه، فإنه يستمع فيفهم، ويعمل بما يعلم، والمنافق يستعيد، والمهتدي يفسر ويعيد، وفيه فائدتان إحداهما: ما ذكرنا من بيان التباين بين الفريقين وثانيهما: قطع عذر المنافق وإيضاح كونه مذموم الطريقة، فإنه لو قال ما فهمته لغموضه وكونه معمى، يرد عليه ويقول ليس كذلك، فإن المهتدي فهم واستنبط لوازمه وتوابعه، فذلك لعماء القلوب، لا لخفاء المطلوب وفيه مسائل:
المسألة الأولى: ما الفاعل للزيادة في قوله: {زَادَهُمْ}؟ نقول فيه وجوه:
الأول: المسموع من النبي عليه الصلاة والسلام من كلام الله وكلام الرسول يدل عليه قوله: {وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ} [محمد: 16] فإنه يدل على مسموع، والمقصود بيان التباين بين الفريقين، فكأنه قال: هم لم يفهموه، وهؤلاء فهموه والثاني: أن الله تعالى زادهم ويدل عليه قوله تعالى: {أُولَئِكَ الذين طَبَعَ الله على قُلُوبِهِمْ} [محمد: 16] وكأنه تعالى طبع على قلوبهم فزادهم عمى، والمهتدين زاده هدىً والثالث: استهزاء المنافق زاد المهتدي هدى، ووجهه أنه تعالى لما قال: {واتبعوا أَهْوَاءهُمْ} قال: {والذين اهتدوا زَادَهُمْ} اتباعهم الهدى هدى، فإنهم استقبحوا فعلهم فاجتنبوه.
المسألة الثانية: ما معنى قوله: {وآتاهم تقواهم}؟ نقول فيه وجوه منقولة ومستنبطة، أما المنقولة فنقول: قيل فيه إن المراد آتاهم ثواب تقواهم، وقيل آتاهم نفس تقواهم من غير إضمار، يعني بيّن لهم التقوى، وقيل آتاهم توفيق العمل بما علموا.
وأما المستنبط فنقول: يحتمل أن يكون المراد به بيان حال المستمعين للقرآن الفاهمين لمعانيه المفسرين له بياناً لغاية الخلاف بين المنافق، فإنه استمع ولم يفهمه، وستعاد ولم يعلمه، والمهتدي فإنه علمه وبينه لغيره، ويدل عليه قوله تعالى: {زَادَهُمْ هُدىً} ولم يقل اهتداء، والهدى مصدر من هدى، قال الله تعالى: {فَبِهُدَاهُمُ اقتده} [الأنعام: 90] أي خذ بما هدوا واهتد كما هدوا، وعلى هذا فقوله تعالى: {وآتاهم تقواهم} معناه جنبهم عن القول في القرآن بغير برهان، وحملهم على الاتقاء من التفسير بالرأي، وعلى هذا فقوله: {زَادَهُمْ هُدىً} معناه كانوا مهتدين فزادهم على الاهتداء هدى حتى ارتقوا من درجة المهتدين إلى درجة الهادين ويحتمل أن يقال قوله: {زَادَهُمْ هُدىً} إشارة إلى العلم {وآتاهم تقواهم} إشارة إلى الأخذ بالاحتياط فيما لم يعلموه، وهو مستنبط من قوله تعالى: {فَبَشّرْ عِبَادِ * الذين يَسْتَمِعُونَ القول فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} [الزمر: 17، 18] وقوله: {والرسخون فِي العلم يَقُولُونَ ءامَنَّا بِهِ} [آل عمران: 7].
المعنى الثالث: يحتمل أن يكون المراد بيان أن المخلص على خطر فهو أخشى من غيره، وتحقيقه هو أنه لما قال: {زَادَهُمْ هُدىً} أفاد أنهم ازداد علمهم، وقال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى الله مِنْ عِبَادِهِ العلماء} [فاطر: 28] فقال آتاهم خشيتهم التي يفيدها العلم.
والمعنى الرابع: تقواهم من يوم القيامة كما قال تعالى: {يا أيها الناس اتقوا رَبَّكُمْ واخشوا يَوْماً لاَّ يَجْزِى وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ} [لقمان: 33] ويدل عليه قوله تعالى: {فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ الساعة أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً} [محمد: 18] كأن ذكر الساعة عقيب التقوى يدل عليه.
المعنى الخامس: آتاهم تقواهم، التقوى التي تليق بالمؤمن، وهي التقوى التي لا يخاف معها لومة لائم.
ثم قال تعالى: {الذين يُبَلّغُونَ رسالات الله وَيَخْشَوْنَهُ وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ الله} [الأحزاب: 39] وكذلك قوله تعالى: {يا أيها النبى اتق الله وَلاَ تُطِعِ الكافرين والمنافقين} [الأحزاب: 1] وهذا الوجه مناسب لأن الآية لبيان تباين الفريقين، وهذا يحقق ذلك، من حيث إن المنافق كان يخشى الناس وهم الفريقان، المؤمنون والكافرون فكان يتردد بينهما ويرضي الفريقين ويسخط الله فقال الله تعالى المؤمن المهتدي بخلاف المنافق حيث علم ذاك ولم يعلم ذلك واتقى الله لا غير، واتقى ذلك غير الله.


{فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ (18)}
يعني الكافرون والمنافقون لا ينظرون إلا الساعة، وذلك لأن البراهين قد صحت والأمور قد اتضحت وهم لم يؤمنوا فلا يتوقع منهم الإيمان إلا عند قيام الساعة وهو من قبيل بدل الاشتمال على تقدير لا ينظرون إلا الساعة إتيانها بغتة، وقرئ {فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ الساعة أَن تَأْتِيَهُمْ} على الشرط وجزاؤه لا ينفعهم ذكراهم، يدل عليه قوله تعالى: {فأنى لَهُمْ إِذَا جَاءتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ}، وقد ذكرنا أن القيامة سميت بالساعة لساعة الأمور الواقعة فيها من البعث والحشر والحساب.
وقوله: {فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا} يحتمل وجهين:
أحدهما: لبيان غاية عنادهم وتحقيقه هو أن الدلائل لما ظهرت ولم يؤمنوا لم يبق إلا إيمان اليأس وهو عند قيام الساعة لكن أشراطها بانت فكان ينبغي أن يؤمنوا ولم يؤمنوا فهم في لجة الفساد وغاية العناد ثانيهما: يكون لتسلية قلوب المؤمنين كأنه تعالى لما قال: {فَهَلْ يَنظُرُونَ} فهم منه تعذيبهم والساعة عند العوام مستبطأة فكأن قائلاً قال متى الساعة؟ فقد جاء أشراطها كقوله تعالى: {اقتربت الساعة وانشق القمر} [القمر: 1] والأشراط العلامات، قال المفسرون هي مثل انشقاق القمر ورسالة محمد عليه السلام، ويحتمل أن يقال معنى الأشراط البينات الموضحة لجواز الحشر، مثل خلق الإنسان ابتداء وخلق السموات والأرض، كما قال تعالى: {أَوَلَيْسَ الذي خَلَقَ السموات والأرض بقادر على أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم} [ياس: 81] والأول هو التفسير.
ثم قال تعالى: {فأنى لَهُمْ إِذَا جَاءتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ} يعني لا تنفعهم الذكرى إذ لا تقبل التوبة ولا يحسب الإيمان، والمراد فكيف لهم الحال إذا جاءتهم ذكراهم، ومعنى ذلك يحتمل أن يكون هو قوله تعالى: {هذا يَوْمُكُمُ الذي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} [الأنبياء: 103] {هذا يَوْمُ الفصل الذي كُنتُمْ بِهِ تُكَذّبُونَ} [الصافات: 21] فيذكرون به للتحسر، وكذلك قوله تعالى: {ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا} [الزمر: 71].

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9